يقول به الأصحاب
كالنهي عن استقبال الريح واستدبارها ، والأمر بالتشريق والتغريب ، مع خلو بعضها عن
الأمرين لا يصلح لأن يكون قرينة على التجوز بالنهي ، مع احتمال الأمر بالتشريق
والتغريب الاستحباب ، لقصوره عن إفادة الوجوب لعدم الجابر له في خصوص ذلك ، أو
يراد الميل الى الجهتين ، وهو لازم لتحريم الاستقبال والاستدبار ، وكيف يكون ذلك
قرينة على الكراهة مع ما عرفت من أن المشهور بل نقل الإجماع عليه الحرمة ، بل قد
يدعى أنه محصل ، لانقراض الخلاف ، وذلك لأن المنقول عنه الخلاف انما هو ابن الجنيد
والمفيد وسلار على ما فيه من الاضطراب ، مع ان عبارة المفيد غير صريحة في ذلك ،
فإنه بعد أن قال : « ولا يستقبل القبلة بوجهه ولا يستدبرها ، ولكن يجلس على
استقبال المشرق إن شاء أو المغرب » قال : « وإذا دخل الإنسان دارا قد بني فيها
مقعد للغائط على استقبال القبلة أو استدبارها لم يضره الجلوس عليه ، وانما يكره
ذلك في الصحاري والمواضع التي يتمكن فيها من الانحراف عن القبلة » فقد يكون مراده
من لفظ الكراهة الحرمة ، ومن عبارته الأولى صورة عدم التمكن من الانحراف ومن غير
هذا الموضع ، وقد يستأنس لذلك بعبارات وقعت لمن علم ان مذهبه التحريم كما تسمع إن
شاء الله تعالى.
وأما ابن الجنيد
فلم نعلم مذهبه من غير جهة النقل ، فقد نقل أنه قال : « يستحب للإنسان إذا أراد
التغوط في الصحراء ان يجتنب استقبال القبلة » وقد يريد الوجوب ، فانحصر الخلاف في
سلار ، فإنه قال : « وليجلس غير مستقبل القبلة ولا مستدبرها ، فان كان في موضع قد
بني على استقبالها واستدبارها فلينحرف في قعوده ، هذا إذا كان في الصحاري والفلوات
، وقد رخص في ذلك في الدور ، وتجنبه أفضل » ولعل وجهه الجمع بين ما تقدم من الأدلة
وبين خبر محمد بن إسماعيل [١] قال : « دخلت على
أبي الحسن الرضا عليهالسلام وفي منزله كنيف مستقبل القبلة » وهو ـ مع عدم مقاومته لما
سمعت
[١] الوسائل ـ الباب
ـ ٢ ـ من أبواب أحكام الخلوة ـ حديث ٧.