على ما حكي عن بعض
المتأخرين ممن ألف في ضبط المقادير ، فإنه حينئذ ينقص عن المقدار المزبور ألف
وخمسمائة إصبع ، إذ مثل هذه النقيصة والزيادة مما يتسامح فيها.
ولعل ذلك أولى مما
عن المهذب من طرح الخبر المزبور ، قال : « للميل تقديران مشهوران ، شرعي وهو أربعة
آلاف ذراع باليد ، وفي بعض الروايات ثلاثة آلاف وخمسمائة ، وهي متروكة ، ووضعي وهو
قدر مد البصر في الأرض المستوية لمستوي البصر » وأولى مما حكاه في المصابيح عن
جماعة من التحديد بذلك ، قال : وصححه ابن عبد البر ، وذكر غيره أنه المطابق لتحديد
ما بين مكة ومنى والمزدلفة وعرفة ، وما بين مكة والتنعيم والمدينة وقبا ، ضرورة
مخالفة ذلك للمعروف بين العلماء كما عرفت.
وكيف كان فمما
ذكرنا ظهر أن الأذرعة أربعة : ذراع القدماء وهي اثنان وثلاثون إصبعا عبارة عن ثمان
قبضات ، وذراع المحدثين وهي ست قبضات أربعة وعشرون إصبعا ، وذراع بعض الأكاسرة وهي
سبع قبضات ثمانية وعشرون إصبعا ، والذراع الأسود الذي حدث في الدولة العباسية أو
هي والأموية سبع وعشرون إصبعا ومنه يظهر وجه مناسبة حمل الخبر المزبور عليه ، لكن
في السرائر عن المسعودي في كتاب مروج الذهب أنه قال : « الميل أربعة آلاف ذراع
بذراع الأسود ، وهو الذي وضعه المأمون لذرع الثياب ومساحة البناء وقسمة المنازل ،
والذراع أربعة وعشرون إصبعا » وعليه تكون الأذرعة ثلاثة ، إلا أن الظاهر خلافه إن
كان المراد بها ما في أيدي الناس الآن من الذراع الحديد ، إذ هي تزيد على ذلك
قطعا.
كما أنه ينبغي
القطع بسهو ما في الفقيه من رواية الخبر المزبور « ألف وخمسمائة ذراع » بدل «
ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع » لمخالفته لما عليه العلماء من الفقهاء وأهل اللغة ، بل
ولما يشاهد بالوجدان كما قيل بين الجبلين المسميين بعير ووعير.
وعلى كل حال
فالمراد بالإصبع عرضه لا طوله ، وقدر بسبع شعيرات من وسط