[لا] يحتاج إلى المشاهدة مثل النسب و الموت و الملك المطلق، و به قال مالك و أبو يوسف [و الشافعي]، و قال أبو حنيفة و محمّد: لا يصحّ منه التحمل و لا الأداء فجعلا العمى كالجنون، [و قالا أشدّ من هذا أنّه] حتى لو شهد بصيران عند الحاكم فسمع شهادتهما ثم عميا أو خرسا قبل الحكم بها، لم يحكم كما لو فسقا [قبل الحكم] [1].
و ليس للمخالف أن يقول: الأعمى لا طريق له إلى معرفة المشهود عليه، لاشتباه الأصوات، لأنّ ذلك يلزم في البصير، لاشتباه الأشخاص، و إذا كانت حاسّة البصر طريقا إلى العلم مع جواز الاشتباه، فكذلك حاسة السمع، و لا شبهة في أنّ الأعمى يعرف أبويه و زوجته و ولده ضرورة من جهة إدراك الصّوت، و قد ثبت أنّ الصحابة كانت تروي عن أزواج النبي (صلّى اللّه عليه و آله) و هنّ من وراء حجاب على التّعيين لهنّ، و هذا يدلّ على أنّ التمييز بينهنّ حصل من جهة السّماع [2].
و تقبل شهادة الصّبيان في الشّجاج و الجراح خاصّة، إذا كانوا يعقلون ذلك، و يؤخذ بأوّل أقوالهم، و لا يؤخذ بآخرها [3]، و قال الشيخ: ما لم يتفرقوا إذا اجتمعوا على أمر مباح كالرمي و غيره، و به قال ابن الزبير و مالك. و قال أبو حنيفة و الشافعي: لا تقبل بحال، في الجراح و لا غيرها، و به قال ابن عبّاس [4].
و قد اشتهر عند النّاس عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قضى في ستّة غلمان دخلوا الماء فغرق أحدهم فشهد ثلاثة منهم [221/ أ] على الاثنين أنّهما غرّقاه، و شهد الاثنان على الثلاثة أنهم غرّقوه: أنّ على الاثنين ثلاثة أخماس الدّية، و على الثلاثة الخمسان، و قد ذكرنا هذه في فصل الدّيات.
و لا يمتنع قبول شهادة الصّبيان في بعض الأشياء دون بعض، كما نقول كلّنا في شهادة النساء.
و تقبل شهادة القاذف إذا تاب و أصلح عمله، و من شرط التوبة أن يكذّب نفسه [5]، و به قال في الفقهاء مالك و الشافعي [6] و الأوزاعي و ربيعة و الزهري و أحمد و إسحاق و عثمان