لنا قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ[3] و هذا نصّ. و كلّ من قال بذلك في المشرك، قال به في سائر الكفّار، و التّفرقة بينهما خلاف الإجماع. فإن قالوا: المراد به نجس الحكم، قلنا:
إطلاق لفظة النّجاسة في الشّريعة يقتضي نجاسة العين حقيقة، و حمله على الحكم مجاز، و اللّفظ بالحقيقة أولى من المجاز.
قالوا: لو كان نجس العين لما طهر بتجديد معنى و هو الإسلام، قلنا: الخمر نجسة العين [و] تطهر بتجديد معنى و هو الحموضة، و لا يعارض ما ذكرناه [8/ أ] وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ[4] لأنّ مطلق الطّعام ينصرف إلى الحنطة، و لا يمكن إنكاره لأنّ أبا حنيفة و الشافعي اختلفا فيمن وكّل وكيلا على أن يبتاع طعاما، فقال الشافعيّ: لا يجوز أن يبتاع إلّا الحنطة، و قال أبو حنيفة: دقيقها، أيضا ذكره المحامليّ [5] في كتابه الأوسط في الخلاف، و ذكره الأقطع [6] أيضا في آخر كتاب الوكالة في شرح القدوري. [7]
فصل الماء على ضربين جار و راكد
و كلاهما طاهر و مطهّر ما لم تخالطه نجاسة بلا خلاف، فإن خالطته و هو جار و لم يتغير أحد أوصافه بها، فهو طهور، فإن غيّرته فالمقدار المتغير نجس، و إذا لم يتغيّر و ليس للنجاسة أثر فهو طاهر لقوله تعالى وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً[8] و هذا ما لم يخرجه مخالطة النجاسة عن إطلاق اسم الماء. [9] فيجب أن يكون طاهرا، و لأنّ النجاسة لا تستقرّ مع جريان الماء.
[5] أحمد بن محمّد بن أحمد الضبي، أبو الحسن، الفقيه الشافعي، أخذ عن أبي حامد الإسفرائيني توفّى سنة (415 ه) وفيات الأعيان: 1/ 74 رقم 27.
[6] أحمد بن محمّد بن محمّد، أبو نصر الأقطع الفقيه الحنفي البغدادي، سمي به لأنّه مال إلى حدث فظهرت على الحدث سرقة فاتّهم بأنّه شاركه فيها فقطعت يده اليسرى، و خرج إلى رام هرمز، و كان يدرس هناك إلى أن توفّى سنة (474). الوافي بالوفيات: 8/ 118 رقم 3531.