البحث المذكور إلى ان تقابل الإطلاق و التقييد انما هو تقابل العدم و الملكة و ان امتناع التقييد يساوق امتناع الإطلاق و توهم ان انقسام المكلف إلى المطيع و العاصي انما هو من الانقسامات اللاحقة للخطاب المتأخرة عنه فيكون انحفاظ الخطاب في كلا التقديرين من باب نتيجة الإطلاق مدفوع بان الانقسام المذكور و ان كان من الانقسامات اللاحقة إلّا ان محل الكلام هو الإطلاق بالإضافة إلى منشأ انتزاع هذين العنوانين أعني به الفعل و الترك و من الواضح ان الانقسام بالإضافة إلى حالتي الفعل و الترك ليس من الانقسامات اللاحقة غير القابلة للحاظ الحاكم بداهة انه لا بد له من ان يلاحظ حال الخطاب حالتي الفعل و الترك ليكون خطابه بعثاً إلى أحد التقديرين و زجرا عن الآخر فظهر مما ذكرناه ان حال الخطاب بالإضافة إلى حالتي كون المكلف فاعلا و تاركا كحال (1) حمل الوجود أو العدم على الماهية فكما لا يعقل ان تكون الماهية المقيدة بالوجود أو
لا مستحيل و قد أشرنا آنفا إلى انه لا ملازمة بين استحالة التقييد و استحالة الإطلاق أصلا و على ذلك فانحفاظ الخطاب في تقدير ما لا مناص عن استناده إلى التقييد أو الإطلاق اللحاظيين بالإضافة إلى ذلك التقدير و ليس للقسم الثاني و الثالث من انحفاظ الخطاب في تقدير ما موضوع أصلا (ثم لا يخفى) انه لا دخل لهذه المقدمة في إثبات صحة الترتب بل قوامه انما هو بما سيجيء من ان الخطابين و ان كانا فعليين في زمان واحد إلّا انه لا تدافع بينهما بوجه أصلا لأن خطاب الأهم لا يقتضى إلّا وجود الأهم من دون تعرض له إلى وجود شيء آخر و عدمه على تقدير عصيانه و تحقق ترك الأهم في الخارج كما ان خطاب المهم لا يقتضى ترك الأهم لأنه موضوعه و شرطه و انما يقتضى وجود المهم على تقدير ترك الأهم في نفسه و مع قطع النّظر عن طلب المهم فكل من الخطابين يقتضى شيئاً أجنبياً عما يقتضيه الآخر فلا تنافي بين فعليتهما أصلا و سيجيء لذلك مزيد توضيح إن شاء اللَّه تعالى
(1) لا يخفى ان حمل الوجود أو العدم على الماهية عبارة عن الاخبار عن اتصاف الماهية في الخارج بالوجود أو بالعدم فكما ان معروض الوجود أو العدم انما هو نفس الماهية التي هي في ذاتها ليست إلّا هي و الوجود و العدم خارجان عن ذاتها و ذاتياتها كذلك موضوع القضية التي حمل فيها الوجود أو العدم على الماهية هي نفسها أيضاً فان الحكاية انما هي على طبق الواقع و المحكي عنه و هذا بخلاف طلب الشيء الملحوظ تقيده بشيء أو عدم تقيده به و لو كان ذلك الشيء وجود متعلق الطلب أو عدمه نعم الطلب انما يتعلق بنفس الطبيعة التي هي في نفسها لا مطلوبة و لا غير مطلوبة فتكون بتعلق الطلب