ثم انه ربما يورد على ما ذكرناه من تصحيح العبادة بالملاك بأن الأمر بالصلاة مع الأمر بالإزالة مثلا بعد امتناع اجتماعهما متعارضان فلا بد من الرجوع إلى المرجحات و بما ان المفروض ان المرجح في طرف الأمر بالإزالة يسقط دليل وجوب الصلاة عن الحجية لا محالة إذ فرض إعمال دليل وجوب الإزالة فرض إسقاط دليل وجوب الصلاة فلا يستكشف كون الصلاة حينئذ مشتملة على الملاك حتى يمكن تصحيحها به (و لا يخفى) ان هذا الإيراد انما نشأ من تخيل ان المقام من باب المتعارضين و هو ناشئ من خلط باب التعارض بباب التزاحم غفلة عن ان الملاك في كل من البابين يخالف ما هو الملاك في الآخر كما ان القول بأن الأصل عند الشك هو التعارض أو التزاحم ناشئ عن ذلك أيضاً و هو يشبه القول بأن الأصل في الأشياء هل هي الطهارة أو البطلان في البيع الفضولي فان الفرق بين البابين كبعد المشرقين فكيف يصح إمكان تصادقهما على مورد واحد ليكون أحدهما هو الأصل دون الآخر (و تحقيق ذلك) ان باب التعارض يفترق عن باب التزاحم في مورد التصادم و في الحاكم بالترجيح أو التخيير و في جهة التقديم و في كيفيته (اما الأول) فتوضيحه ان الحكم المدلول عليه بدليل إذا لوحظ بالقياس إلى الحكم المستفاد من دليل آخر فان لم يكن بينهما تناف و تعاند أصلا فهما خارجان عن بابي المزاحمة و المعارضة و ان كان بينهما التنافي فهو اما ان يكون في مقام جعلهما و إنشائهما على موضوعهما المقدر وجوده على نحو القضايا الحقيقية و اما ان يكون في مقام الفعلية و تحقق كل ما هو مأخوذ في موضوع الحكم شرعاً أو عقلا و على الأول فالدليلان متعارضان نظير الدليل الدال على وجوب السورة في الصلاة بالقياس إلى ما دل على عدم وجوبها فان جعل الوجوب لشيء ينافي عدم جعله له بالضرورة فيعامل معهما معاملة المتعارضين و على الثاني فالحكمان متزاحمان نظير وجوب إنقاذ كل من الغريقين مع عدم قدرة المكلف على الجمع بين امتثاليهما فان جعل الوجوب لكل منهما
- الا في مرحلة حكم العقل بوجوب الامتثال صح التمسك بالإطلاق لإثبات كون الفرد المزاحم لما هو أهم منه واجداً للملاك إذ المفروض ان متعلق الأمر هو نفس الطبيعة غير المقيدة بالقدرة الصادقة على الفرد المزاحم أيضاً فكل فرد أتى به في الخارج فهو فرد للمأمور به و واجد لملاكه لا محالة