لكونها ناظرة إلى قاضي التحكيم ، أي الذي يتراضى به المتخاصمان الذي لا يشترط فيه إلاّ معرفة شيء من أحكام القضاء ، لا إلى القاضي المنصوب ابتداءً الذي هو محلّ الكلام ويعتبر فيه الاجتهاد كما تقدّم ، وإلاّ فقاضي التحكيم لا يكون حكمه نافذاً في غير خصم النزاع الذي رفعه المتخاصمان إليه ورضيا به حكماً ، لا في الهلال ولا في غيره بلا خلاف فيه ولا إشكال . والمتحصّل من جميع ما قدّمناه لحدّ الآن : أ نّه لم ينهض لدينا دليل لفظي معتبر يدلّ على نصب القاضي ابتداءً ، وإنّما نلتزم به من باب القطع الخارجي المستلزم للاقتصار على المقدار المتيقّن .
وعلى تقدير التسليم فالملازمة بينه وبين نفوذ حكمه في الهلال غير ثابتة ، فإنّ مجرّد تصدّي قضاة العامّة لذلك واتّباع الناس لهم لا يدلّ على كون الملازمة ملازمة شرعيّة ، بمعنى : أنّ كلّ من كان قاضياً كان حكمه في الهلال أيضاً ماضياً في الشريعة الإسلاميّة بعد أن لم يكن فعل القضاة حجّة متّبعة . ومن الجائز أن الشارع قد اقتصر فيه على الطرق المقرّرة لثبوته من الشياع والبيّنة والرؤية ، وإلاّ فبالعمل بالاستصحاب بمقتضى قوله (عليه السلام) : "صم للرؤية وأفطر للرؤية" كما هو الشأن في غيره من سائر الموضوعات الخارجيّة التي منها دخول الوقت ، أفهل يحتمل ثبوت الغروب ـ مثلا ـ بحكم الحاكم ليجوز الإفطار ؟ كلاّ ، بل على كلّ مكلّف تتبّع الطرق المتكفّلة لإثباته . فليكن هلال رمضان وشوّال أيضاً من هذا القبيل من غير أيّة خصوصيّة فيه . ولأجل ذلك استشكلنا في ثبوت الهلال بحكم الحاكم ، ومع ذلك كلّه فالاحتياط الذي هو سبيل النجاة ممّا لا ينبغي تركه .