ذلك من جهة ملاحظة أن العامل أمين ، ومقتضى ما دلّ على أن الأمين لا يضمن ، ولا سيما بعض النصوص الواردة في خصوص المضاربة ، هو عدم الضمان .
وعليه فيكون اشتراط الضمان من الشرط المخالف للسنة ، حيث إنّ مقتضاه عدم ضمان الأمين ، سواء اشترط ذلك عليه أم لم يشترط ، فيبطل لا محالة .
وأما الثاني : فحيث أن تدارك العامل للخسارة والتلف من ماله الخاص ، لا على نحو الضمان، أمر سائغ وفعل جائز قبل الاشتراط ، فلا مانع من اشتراطه عليه، وعنده فيجب الوفاء به .
ومن الغريب في هذا المقام ما صدر من بعضهم ، من القول بانقلاب عقد المضاربة عند اشتراط الضمان على العامل قرضاً ، فيكون جميع الربح للعامل ، ولا يكون للمالك إلاّ رأس ماله ، وذلك للنص المعمول به لدى الاصحاب .
وكأنه صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) ـ في حديث ـ : "إنّ علياً (عليه السلام) قال : من ضمن تاجراً فليس له إلاّ رأس ماله ، وليس له من الربح شيء" [1] .
لكنها وإن كانت صحيحة بحسب السند ، إلاّ أنها أجنبية بحسب الدلالة عن محلّ الكلام ، فإنّها واردة في التضمين من أوّل الأمر ، لا اشتراط الضمان عند التلف الذي هو محلّ كلامنا .
فإنّا ذكرنا في مبحث الفرق بين البيع والدين من مباحث المكاسب ، أنّ البيع عبارة عن مبادلة المال بالمال ، بحيث إنّ كلاًّ من المتبايعين يعطي شيئاً بإزاء أخذ شيء من صاحبه . في حين إنّ القرض لا يتضمن أيّ مبادلة بين المالين ، وإنما هو تمليك للمال مع الضمان ، بمعنى إثباته في عهدة الآخر ونقله إلى ذمّته ، كما هو الحال في الغاصب مع التلف . فليس القرض تبديل مال بمال غيره ، وإنما هو جعل المال المعيّن بعينه في ذمّة الآخر ، وهذا ما يعبّر عنه بالضمان المطلق .
ــــــــــــــــــــــــــــ