فأمّا ما يقع منه على وجه المدافعة، فإنّه يعلم وجوبه عقلا لما علمناه بالعقل، من وجوب دفع المضار عن النفس، و ذلك لا خلاف فيه، و إنما الخلاف فيما عداه، و هذا هو الذي [2] يقوى في نفسي، و الذي يدلّ عليه، هو أنّه لو وجبا عقلا، لكان في العقل دليل على وجوبهما، و قد سبرنا أدلة العقل، فلم نجد فيها ما يدل على وجوبهما، و لا يمكن العلم الضروري في ذلك، لوجود الخلاف فيه، و هذا القول خيرة السيد المرتضى.
و قال قوم: طريق وجوبهما العقل، و إلى هذا المذهب يذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) في كتابه الاقتصاد [3] بعد أن قوّى الأوّل، و استدل على صحته بأدلة العقول، ثم قال (رحمه الله): و يقوى في نفسي أنّه يجب [4] عقلا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، قال: لما فيه من اللطف، و لا يكفي فيه العلم باستحقاق الثواب و العقاب، قال: لأنّا متى قلنا ذلك، لزمنا أنّ الإمامة ليست واجبة، بأن يقال يكفى العلم باستحقاق الثواب و العقاب، و ما زاد عليه في حكم الندب، و ليس بواجب، قال (رحمه الله): فالأليق بذلك أنّه واجب.
ثمّ قال (رحمه الله): و اختلفوا في كيفيّة وجوبهما، فقال الأكثر: إنّهما من فروض الكفاية [5] إذا قام به البعض، سقط عن الباقين، و قال قوم: هما من فروض الأعيان، ثم قال (رحمه الله): و هو الأقوى عندي، لعموم أي القرآن و الأخبار.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: و الأظهر بين أصحابنا، أنّهما من فروض الكفاية [6]، إذا قام به البعض، سقط عن الباقين، و هو اختيار السيد المرتضى.
و الأمر بالمعروف على ضربين، واجب و ندب، فالأمر بالواجب منه واجب، و الأمر بالمندوب مندوب، لأنّ الأمر به، لا يزيد على المأمور به نفسه، و النهي عن
[1] الوسائل: كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، الباب 1.