و أورد عليه في الجواهر بقوله: و لا يخلو من نظر مع احتمال
الإكراه و الجهل و غيرهما و من هنا لا تكفي في ثبوته الرائحة و النكهة لاحتمال
الإكراه و الجهل و غيرهما. خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من الإكتفاء بالرائحة و هو
واضح الضعف. و محصّل إيراده أن السكر و إن كان ملازما للشرب لكنه لا يلازم الشرب
عن اختيار فلا يحدّ الشارب.
أقول: لعلّ ما أورده عليه لم يكن واردا و ذلك لأن سكره دليل على
شربه، و الشرب محمول على الاختيار، و لو كان يرد هذا الاحتمال هنا فهو وارد في
مورد قيام الشهادة على شربه، و لم نر من قال باشتراط تقيّد الشهادة بكونه عن
اختيار، فإنّ شرب الخمر بظاهره يحمل على القصد و الإرادة و العلم على ما هو الأصل
في كلّ فعل من أفعال البالغين العاقلين، و أصالة السلامة و عدم الاضطرار من الأصول
العقلائيّة فيحمل أفعال المكلّف على الاختيار من دون عذر و اضطرار إلى أن يثبت
العذر أو ادّعى الإكراه أو الاضطرار أو الجهل و كان يحتمل ذلك في حقّه. و ليس لفعل
شرب الخمر الحمل على الصحّة باحتمال العذر ما لم يدّع هو بنفسه أنه شربه جاهلا أو
مكرها.
نعم في جريان الأصل العقلائي بالنسبة للعلم و الجهل إشكال و ذلك لأن
القصد و الاختيار من الحالات الأولوية للإنسان في حين أن العلم ليس كذلك لأن
الإنسان في بدو أمره و بحسب طبعه و مقتضى حاله ليس عالما، بل علمه مسبوق بالجهل
[1] إذا فيشكل في الموارد الّتي يشك في صدور المعصية عنه- كشرب الخمر- عن علم أو
جهل، حمل فعله على صدوره عن علم فإنّ العلم طار و عارضيّ و الأصل الجاري بالنسبة
له هو العدم لأنه لم يخلق عالما.
لكنّ التحقيق أنه و إن كان الأمر كذلك إلّا أن كون الفاعلين بين
المسلمين و معهم و نشؤه في بيئة دينيّة و جوّ مذهبيّ يوجب قلب الأمر، فإنّ ذلك
يقتضي كونه
______________________________
[1] قال الله تعالى وَ اللَّهُ
أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً» سورة النحل الآية 78.