و لا يخفى أن هذا الحكم شرعيّ محض لا بدّ من أخذه من الشارع و
ليس بعرفيّ فإنّ العرف ربّما لا يساعد ذلك، و خلاصة الكلام أن ما من شأنه الإسكار
يحدّ على كثيره و قليله و لو القطرة منه مطلقا.
و يدلّ على ذلك أوّلا عدم خلاف يعتدّ به بل الإجماع بقسميه عليه على
ما في الجواهر.
و ثانيا النصوص المستفيضة أو المتواترة المصرّحة باستواء القليل و
الكثير منه في إيجاب شربه الحدّ.
نعم قال الصدوق قدس سره: و إذا شرب الرجل حسوة من خمر جلد ثمانين
جلدة فإن أخذ شارب النبيذ و لم يسكر لم يجلد حتى يرى أنه سكران انتهى[1].
و الحسوة بالضمّ و الفتح الجرعة من الشراب ملء الفم (هكذا في مجمع
البحرين) فقد ذكر رحمة اللَّه عليه لفظة الحسوة.
إلّا أن الأخبار ناطقة بعدم الفرق بين الكثير و القليل منه، ففي خبر
إسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل شرب حسوة خمر قال:
يجلد ثمانين جلدة قليلها و كثيرها حرام[2].
فإنّ السّؤال و إن كان عن الحسوة من الخمر إلّا أنّ مقتضى جواب الإمام عليه السلام
ترتب الحرمة و الجلد على كثير و قليل منه و إن كان قطرة و على هذا فلا دلالة لهذه
الرواية على اعتبار الحسوة في إيجاب الحدّ لو كان مراد الصدوق قدس سره اعتبارها
بالخصوص.
و أمّا تتمّة كلامه الّتي نسب إليه بسببها القول بأن النبيذ لا يوجب
الحدّ إلّا إذا شرب بمقدار أوجب السكر فلعلّ ذلك لروايتي الكناني و الحلبي.
أمّا الأولى: عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في حديث قلت: أ رأيت إن
أخذ شارب النبيذ و لم يسكر أ يجلد؟ قال: لا[3].