فيه الإكتفاء بالنهي عن المنكر و أمّا لزوم التعزير فلا يستقلّ
به العقل.
و نحن أيضا نقول: إنّه و إن كان أصل الكلام و الكبرى الكليّة جيّدا
لا يقبل الإنكار و الإشكال فإنّه لا شكّ في أنه لا بدّ من الاحتفاظ على نظام أمور
الأمّة ماديّة و معنويّة و إقامة قوائم عرشه على الكاهل و لا يجوز لأحد أن يحدث ما
يخلّ بنظام الأمّة الإسلامية فإنّ القوانين الإلهيّة و المناهج الدينيّة و الأنظمة
الشرعية كلّها مجعولة و مقرّرة لإيجاد النظم في المجتمع و استقراره في العالم
الإسلامي فإنّ القتل يوجب تلف النفوس، و الزنا يوجب ضياع النسل و هكذا سائر
المحرّمات الشرعيّة يوجب خللا في ناحية من العيش و بالجملة فهذا ممّا لا ريب فيه و
لا شبهة تعتريه. إلّا أن اللّه تعالى قد قرّر طرقا و مناهج لحفظ النظام و صيانته
كالحدود المقرّرة و العقوبات الخاصّة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
بمراحلهما و مراتبهما المختلفة، و أمّا حفظه بشيء آخر غير ما جعله الشارع من
الحدود، و التعزيرات في موارد منصوصة في الكتاب أو السنّة، و الأمر بالمعروف و
النهي عن المنكر في غير تلك الموارد فلا يستقلّ به العقل، و يشكل جدّا- في موارد
لم يجعل له الشارع عقوبة حدّا أو تعزيرا و لم ينصّ بها- القول بوجوب هذه العقوبة
الخاصّة أعني التعزير مع عدم العلم بوصوله من الشارع أو العلم بالعدم.
و على الجملة فالعقل مستقلّ بقبح الإخلال في النظام و منعه و لزوم
حفظه و بقائه لكنّ الشارع قد أقدم على طرق الاحتفاظ به- بإتيان الواجبات و ترك
المحرّمات- بما قرّره بلسان القرآن الكريم وَ لْتَكُنْ
مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ
يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ[1] إلى غير ذلك من الآيات الكريمة و الروايات الشريفة الواردة في هذا
الموضوع فإنّ الهدف من الأمر و النهي هو الحفاظ على الواجبات و ردع الناس عن
المحرّمات كما أن من الطرق التي سلكها الشارع للوصول إلى هذا الهدف هو ما أوعد به
من العقوبات في الآخرة و العذاب الأليم و النّكال الدائم، و من العقوبات هي الّتي
قرّرها في هذا العالم على بعض