حيث أمر الله سـبحانه بمسح الرأس بقوله عزّ من قائل (فامسحوا برؤوسكم )[1] وقد دلّتنا الصحيحة الواردة في تفسيره أن المراد مسح بعض الرؤوس لا جميعها ، فاذا علمنا بالمراد من الآية المباركة بالصحيحة المفسرة لها كما يأتي نقلها صحّ لنا التمسك بإطلاق أمره سبحانه ، لأنه أمر بمسح الرأس وهذا يتحقّق بأقل ما يتحقّق به المسح عرفاً وإن كان أقل من عرض إصبع واحدة .
وأمّا الصحيحة المذكورة الواردة في تفسير الآية المباركة فهي التي رواها الصدوق (قدس سره) باسناده عن زرارة قال : "قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ألا تخبرني من أين علمت وقلت : إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين ؟ فضحك فقال : يا زرارة قاله رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ونزل به الكتاب من الله عزّ وجلّ ، لأن الله عزّ وجلّ قال (فاغسلوا وجوهكم ) فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل ، ثم قال (وأيديكم إلى المرافق ) فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه فعرفنا أنه ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين ، ثم فصّل بين الكلام فقال (وامسحوا برؤوسكم ) فعرفنا حين قال (برؤوسكم ) أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء ، ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال : (وأرجلكم إلى الكعبين ) فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما ، ثم فسّر ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للناس فضيعوه" الحديث [2] .
ولكنها غير صالحة للاستدلال بها ـ في نفسها واستقلالها ـ على المدعى بدعوى أنها مطلقة ، والسر فيه : أن الصحيحة إنما سيقت لبيان عدم وجوب غسل الرأس بتمامه ، وأن الواجب الذي صنعه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنما هو مسح بعض الرأس في مقابل العامّة القائلين بوجوب غسل الرأس بتمامه ، كما يشير إليه قوله (عليه السلام) "فضيّعوه" .
ــــــــــــــــــــــــــــ