الأصحاب ، حيث لم ينقل فيها الخلاف إلاّ عن جماعة من متأخري المتأخرين منهم صاحب المدارك (قدس سره) حيث ذهب إلى كراهتهما [1] فان اعتمدنا على التسالم القطعي وإجماعهم بأن كان اتفاق المتقدمين والمتأخرين مدركاً لاثبات حكم شرعي ـ كما هو غير بعيد ـ فلا كلام ، وإلاّ فما قواه في المدارك من القول بالكراهة وفاقاً لجملة من متأخري المتأخرين هو الصحيح . وذلك لأن الأخبار المستدل بها على حرمة استقبال القبلة واستدبارها في المقام ساقطة عن الاعتبار ، وهي بين ضعيفة ومرفوعة ومرسلة [2] ولا يمكننا الاعتماد على شيء منها في الاستدلال .
نعم لا وجه للمناقشة في دلالتها على الحرمة ، لأن اشتمال بعضها على بعض المكروهات كاستقبال الريح واستدبارها غير صالح للقرينية على التصرف في ظهور النهي عن استقبال القبلة واستدبارها في الحرمة ، واقتران حكم غير الزامي بحكم إلزامي لا يكون قرينة على إرادة غير الالزام منه بدعوى وحدة السياق ، وذلك لأن الظهور حجّة ولا يمكن أن يرفع اليد عنه إلاّ بقرينة أقوى على خلافه وهي غير موجودة في المقام ، فما عن بعضهم من المناقشة في دلالة الأخبار من جهة اشتمالها على ما هو مسلّم الكراهة مما لا يمكن المساعدة عليه . نعم للمناقشة في أسنادها مجال واسع كما مر ، فلو كنّا نحن وهذه الروايات لم يمكننا الحكم بحرمة استقبال القبلة واستدبارها حال التخلِّي .
بل يمكن الاستدلال على كراهتهما أو استحباب تركهما برواية محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : "دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وفي منزله كنيف مستقبل القبلة وسمعته يقول : من بال حذاء القبلة ثم ذكر فانحرف عنها إجلالاً للقبلة وتعظيماً لها لم يقم من مقعده ذلك حتى يغفر له" [3] وذلك لأن لسانها لسان الاستحباب أو كراهة الفعل ، فان ترك الاستقبال لو كان واجباً لأمره بالانحراف أو نهاه عن
ــــــــــــــــــــــــــــ