يحتمل وجوب الاجتهاد في حقه ، كيف فإن الاجتهاد واجب كفائي وليس من الواجبات العينية كما هو مقتضى قوله عزّ من قائل : (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون )[1] . لدلالته على أن الاجتهاد وتحصيل العلم بالأحكام إنما يجب على طائفة من كل فرقة لا على الجميع . وهذا بخلاف صاحب الملكة إذ من المحتمل أن يجب عليه الاجتهاد وجوباً تعيينياً لتمكنه من تحصيل العلم بالأحكام ويحرم عليه التقليد لانصراف أدلة الجواز عنه ، حيث إن ظاهرها أن جواز التقليد يختص بمن لا يتمكن من تحصيل العلم بالأحكام فمثل قوله عزّ من قائل : (فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )[2] يختص بمن لا يكون من أهل الذكر ولو بالقوة ، لوضوح أنه لو كان خطاباً للمتمكن من تحصيل العلم بالأحكام لم يناسبه الأمر بالسؤال بل ناسب أن يأمره بتحصيل العلم بها فإن مثله لا يخاطب بذلك الخطاب . وهكذا الكلام في بقية أدلته لوضوح اختصاصها بمن لا يتمكن من تحصيل الحجة على الحكم حتى السيرة العقلائية الجارية على رجوع الجاهل إلى العالم .
ودعوى : أن السيرة شاملة للمقام لأن صاحب الملكة ليس بعالم بالفعل ، مما لا يمكن التفوّه به أصلاً ، لأنه كيف يسوغ دعوى أن العقلاء يُلزمون صاحب الملكة بالرجوع إلى من يحتمل انكشاف خطئه إذا راجع الأدلة . بل قد يكون قاطعاً بأنه لو راجع الأدلة لخطّأه في كثير من استدلالاته ، ومثله لا يكون مشمولاً للسيرة العقلائية يقيناً ولا أقل من احتمال اختصاصها بمن لا يتمكن من الرجوع إلى الأدلة .
والمتحصّل : أن من له ملكة الاجتهاد ـ سواء لم يتصدّ للاستنباط أصلاً أو استنبط شيئاً قليلاً من الأحكام ـ لا بدّ له من أن يتّبع نظره ويرجع إلى فتيا نفسه ولا يجوز أن يقلد غيره ، والاجماع المدعى في كلام شيخنا الأنصاري(قدّس سرّه) أيضاً مؤيد لما ذكرناه ، لعدم كونه إجماعاً تعبدياً .
أمّا الجهة الثانية : فالصحيح عدم جواز الرجوع إليه لأن الأدلة اللفظية المستدل بها
ــــــــــــــــــــــــــــ