responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 1  صفحه : 11

الإمام محسن الأمين وكتابة أعيان الشيعة بقلم: الشيخ محمد جواد العلمي قد تسمع عنه كثيرا فتعرف أنه إمام ينتفع الناس بعلمه، وأنه رجل ذو سيرة وأن لسيرته آثارا طيبة في الناس تتناقلها الألسنة وتتداولها الأيدي، ثم تلقى الرضى والحمد من الجميع.
وقد لا تكتفي فتقرأ له كتبا عدة فتعجب لرجل من رجال الدين يملك هذه السعة في المعرفة وهذه الرحابة في العقل وهذا الانطلاق من ربقة الجمود الفكري الذي ران على عقول الكثيرين من حملة العلوم الدينية في هذا العصر العلمي المتعدد الآفاق.
ولكن كل ذلك لا يغنيك في معرفة هذا الزعيم الديني شيئا إذا أنت لم تعرفه عن كثب ولم تلقه في " صومعته " المتواضعة بدمشق ولم تختبر بنفسك آثار زعامته في أولئك القوم الذي ألقوا إليه بمقاليدهم الروحية وشؤونهم الاجتماعية ونظام حياتهم كلها فأخذ بهم رويدا رويدا إلى نظام من الحياة الفكرية والروحية والاجتماعية ليس من الغلو البتة أن أقول إنه نظام أمثل ينبغي أن يكون نمطا عالميا يحتذى لإنشاء جماعات إنسانية تعيش في طمأنينة ودعة وانسجام وترابط عجيب، يسود ذلك كله عدل في تبادل المعاملة والمعونة وشوق إلى إنشاء الخير لا ينتهي.
نعم: قد لا يغنيك شيئا أن تعرف هذا الإمام مما تسمع عنه أن تقرأ له، وإنما تعرفه حقا حين تلقاه بين أكوام الكتب في " صومعته " المتواضعة حيث تصنع شيخوخته الشابة هذه السلاسل الذهبية من الآثار النفيسة في الدين والأدب والتاريخ واللغة وفلسفة الأخلاق والشريعة.
هنالك ستعرف أن هذه الكتلة الهادئة المرحة المتواضعة التي تتمثل لك شيخا من شيوخ الدين في ظاهر الأمر، إنما هي - في الواقع - إنسانية تتجسد لتكون مثلا للرجل يرى أنه خلق ليعمل وأن عمله إنما يصدر عن طبيعة منحتها العناية الإلهية قوة وجلدا فلا بد لها - إذن - أن تعمل، ولا بد أن تترك في الناس آثار ما تعمل وإنه لا فضل لها في ذلك كله، وإنما الفضل لله في أن منحها القوة والصبر والجلد، وقد تعجب حين ترى هذا الرجل في بساطته وتواضعه كيف يمتد له هذا الجاه العريض في دنيا المسلمين في شرق وغرب، ولكن سرعان ما تعود إلى هذا السمت الهادئ تتوسم في ملامح الإخلاص العميق، والسماحة النفسية والاستنارة الفكرية فإذا بك تؤمن أن الرجل أجدر أن يمتد جاهه إلى أبعد من هذه الآفاق الواسعة لأن الاخلاص على هذه الشاكلة لا يكون إلا في رجل خليق بأن يكون واسع الجاه ولأن السماحة النفسية على هذا الطراز جديرة أن ترفع صاحبها إلى مقام المصلحين الأبرار، ولأن الاستنارة الفكرية على ما تراها في هذا الرجل الديني أولى بها أن تضع بين يديه مقاليد القيادة في هذه الأمة.
وإذا رحت تبحث عن آثاره العملية في هذه الجماعة التي تعيش تحت كنفه في دمشق ازددت يقينا بأن طبيعة الاصلاح والتنظيم في هذا الامام إنما هي هبة من مواهب العناية الإلهية فيه، وليست طريقة مكتسبة اصطنعتها له الظروف والحوادث، ولا وسيلة اعتمدها لكسب الشهرة والجاه.
فالسيد محسن الأمين الذي ينصرف اليوم إلى إخراج كتابه (أعيان الشيعة) انصرافا خالصا بعد جهاد طويل عنيف ليس هو إذن صاحب (أعيان الشيعة) وكفى، ولكنه صاحب رسالة إصلاحية يؤديها بصمت وتواضع وبساطة، ولعل هذه البساطة التي تراها فيه حين تلقاه - أينما تلقاه - هي أروع ما يدل على طبيعته الخيرة المصلحة العاملة من غير اعتماد ولا تكلف ولا شعور بالفضل والمنة والارتفاع على الناس.
ولكن: أليس كتابه " أعيان الشيعة " وحده دليلا على كل ذلك؟.
بلى: أن هذا - في الحق - كتاب يدل على ما في صاحبه من بساطة عظيمة وفكرة مستنيرة وطبيعة خيرة وعقل واسع الجوانب، فهو يبحث فيه بحث العالم حين يقارن الروايات ويفاضل بينها ويناقشها، ويجتهد اجتهاد المؤرخ حين يبذل أقصى الجهد في الاستقصاء والتتبع واصطياد الأخبار وآثار، ويذهب مذهب الأديب حين يحكم على القيم الأدبية في آثار أهل الأدب، وهو يمعن في التجرد والتسامي حين يتناسى الخصومات فيترجم لخصمه كأنه يترجم لشخص هو ملك التاريخ وحده وهو يعلو كثيرا عن التعقيد النفسي حين يثبت آراء ناقديه مهما اشتدت عليه بالنقد ويعترف بكل ما فيها من صواب وصدق دون تبجح ولا تكلف.
ولا أرى بي حاجة - بعد - أن أدلك على ما سيكون لكتاب " أعيان الشيعة " من أثر جليل في باب المصادر للباحثين: فلقد ظهر هذا الأثر منذ الآن وبدأ الباحثون يدركون قيمة هذا الجهد الضخم وقدر حاجتهم إليه حين يريدون تقصي السير وتتبع الآثار وها هي ذي اجزاؤه مبسوطة بين أيدي طلاب البحث في المكتبات العامة والخاصة في الشام والعراق ومصر وكل بلد إسلامي وفي أوساط المستشرقين جميعا.

نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 1  صفحه : 11
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست