وحل به جمله في أخدود من الأرض فأخذه رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) أسيرا في سبعين من قريش و قدّم إليه أبو معيط فقال: أ تقتلني بين هؤلاء؟ قال: نعم. فقام إليه عليّ بن أبي طالب فضرب عنقه.
و لم يقتل من الأسارى يومئذ غيره.
فلما كان يوم أحد خرج أبيّ مع المشركين فجعل يلتمس غفلة رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) ليحمل عليه فيحول رجل بين النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) و بينه، فلما رأى ذلك رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم)
قال لأصحابه: خلّوا عنه. فأخذ الحربة و رماه بها فوقعت في ترقوته فلم يخرج منه دم كثير و احتقن الدم في جوفه، فجعل يخور كما يخور الثّور فاحتمله أصحابه و هو يخور فقالوا: ما هذا الذي بك! فو اللَّه ما بك إلا خدش. فقال: و اللَّه لو لم يصبني إلا بريقه لقتلني! أليس قد قال: أنا أقتله. و اللَّه لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لقتلهم.
فما لبث إلا يوما حتى مات.
و أنزل اللَّه تعالى في أبي معيط: وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ ندما و تحسّرا في القيامة قال سفيان الثوري: يأكل يديه ثم تنبت. رواه ابن أبي حاتم. و قال أبو عمران الجوني:
بلغني أنه يعضهما حتى ينكسر العظم ثم يعود.
يقول: يا للتنبيه لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ محمد (صلّى اللّه عليه و سلم) سَبِيلًا طريقا إلى الهدى يا وَيْلَتى الألف عوض عن ياء الإضافة أي ويلتي و معناه هلكتي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ القرآن بَعْدَ إِذْ جاءَنِي بأن ردني عن الإيمان به. قال تعالى: وَ كانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ الكافر خَذُولًا [الفرقان: 27- 29] بأن يتركه و يتبرأ منه عند البلاء.
تنبيهات
الأول: قال ابن سعد: قلت للواقدي قال اللَّه تعالى: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر: 95] و هذه السورة مكية؟ فقال: سألت مالكا و ابن أبي ذئب عند هذا فقال: كفاه إياهم فبعضهم عمي و بعضهم مات فشغل عنه و بعضهم كفاه إياه إذ هيأ اللَّه له من أسباب مفارقته بالهجرة ما هيأه له.
و قال غيرهما: كفاه أمرهم فلم يضروه بشيء.
الثاني: قال البلاذري ذكر غير الواقدي أن المستهزئين جميعا هلكوا في وقت واحد و قول الواقدي أثبت.
الثالث: أكثر الروايات على أن عقبة بن أبي معيط هو الذي أسلم و أن أبيّا هو الذي ردّه.
و في بعضها ضد ذلك. فاللَّه أعلم.
و منهم أبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.