إذ حقيقة التشبيه: إلحاق ناقص بكامل، و المشبّه الوحي و هو محمود، و المشبّه به صوت جرس و هو مذموم، لصحة النّهي عنه و التّنفير من موافقة ما هو عليه و الإعلام بأنه لا تصحبهم الملائكة كما أخرجه مسلم، فكيف يشبّه ما فعله الملك بأمر تنفر منه الملائكة؟
و الجواب: بأنه لا يلزم في التشبيه تساوي المشبّه بالمشبه به في الصفات كلها، بل و لا في أخسّ وصف له بل يكفي اشتراكهما في صفة ما، فالمقصود هنا بيان الحسّ فذكر ما ألف السامعون سماعه تقريبا لأفهامهم، و الحاصل أن الصوت له جهتان: جهة قوة وجهة طنين، فمن جهة القوة وقع التشبيه، و من جهة الصوت وقع التنفير عنه، و علّل بكونه مزمار الشيطان.
قيل: و يحتمل أن يكون النهي وقع بعد السؤال.
قال الحافظ: و فيه نظر.
قال ابن بطّال: و على مثل هذه الصفة تتلقى الملائكة الوحي من اللَّه تعالى، و قال التوربشتي: و هذا الصوت من الوحي تشبيها بما يوحى إلى الملائكة على ما
رواه أبو هريرة عن النبي (صلّى اللّه عليه و سلم): «إذا قضى اللَّه في السماء أمرا ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنها سلسلة على صفوان، فإذا فزّع عن قلوبهم قالوا: ما ذا قال ربكم. قالوا: الحق و هو العليّ الكبير».
رواه البخاري و غيره.
قال القاضي: ما جاء من مثل ذلك يجري على ظاهره و كيفية ذلك و صورته مما لا يعلمه إلا اللَّه تعالى أو من أطلعه اللَّه تعالى على شيء من ذلك من ملائكته و رسله، و ما يتأوّل هذا و يحيله عن ظاهره إلا ضعيف النظر و الإيمان، إذ جاءت به الشريعة و دلائل العقل لا تحيله انتهى.
و الصلصلة المذكورة: قيل صوت الملك بالوحي. و قيل صوت حفيف أجنحة الملائكة. قال الخطّابي: يريد أنه صوت متدارك يسمعه و لا يثبته أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد.
قوله: خضعانا- بفتحتين، و بضم أوله و سكون ثانيه: مصدر بمعنى خاضعين.
كأنه: أي القول المسموع.
الصّفوان: الحجر الأملس.
الثالث: الحكمة في تقديم الصلصلة أن يقرع سمعه الوحي فلا يبقى فيه مكان لغيره، فلما كان الجرس لا تحصل صلصلته إلا بتدارك وقع التشبيه به دون غيره من الآلات.