قال العلماء رضي اللَّه تعالى عنهم: كان الوحي ينزل إلى رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) في أحوال مختلفة.
الأول: الرؤيا الصادقة في المنام. قال إبراهيم (عليه الصلاة و السلام): إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى. قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ [الصافات 102] فدلّ على أن الوحي كان يأتيهم في المنام كما كان يأتيهم في اليقظة.
و في الصحيح عن عبيد بن عمير: «رؤيا الأنبياء وحي» و قرأ هذه الآية.
الثاني: أن ينفث الملك في روعه و قلبه من غير أن يراه، كما
قال (صلّى اللّه عليه و سلم): إن روح القدس نفث في روعي: لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا اللَّه و أجملوا في الطلب و لا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية اللَّه فإن ما عند اللَّه لن ينال إلا بطاعته.
رواه ابن أبي الدنيا في كتاب القناعة و الحاكم.
و قال كثير من المفسرين في قوله تعالى: وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً [الشورى 51]: هو أن ينفث في روعه بالوحي. قال الحليمي: هذا هو الوحي الذي يخص القلب دون السمع.
الثالث: أن يأتيه مثل صلصلة الجرس و هو أشدّه عليه، فيتلبّس به الملك حتى إن جبينه ليتفصّد عرقا في اليوم الشديد البرد و حتى إن راحلته لتبرك على الأرض.
روى الشيخان عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها أن الحارث بن هشام رضي اللَّه تعالى عنه سأل رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم): كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم): «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس و هو أشدّه علي فيفصم عنّي و قد وعيت ما قال، و أحيانا يتمثّل لي الملك رجلا فيكلّمني فأعي ما يقول»
و روى ابن سعد بسند رجاله ثقات عن أبي سلمة الماجشون أنه بلغه أن رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) كان يقول: «كان الوحي يأتيني على نحوين: يأتيني به جبريل فيلقيه عليّ كما يلقى الرجل الرجل فذاك يتفلّت منّي، و يأتيني في شيء مثل صلصلة الجرس حتى يخالط قلبي فذاك لا يتفلت مني»