الباب الرابع عشر في نكاحه (صلّى اللّه عليه و سلم) خديجة بنت خويلد رضي الله عنها و أرضاها
و سبب ذلك ما حدّثها به غلامها ميسرة و ما رأته من الآيات و ما ذكره ابن إسحاق في المبتدأ قال: كان لنساء قريش عيد يجتمعن فيه في المسجد فاجتمعن يوما فيه فجاءهن يهوديّ فقال: يا معشر نساء قريش إنه يوشك فيكن نبيّ فأيكن استطاعت أن تكون فراشا له فلتفعل. فحصبه النساء و قبّحنه و أغلظن له. و أغضت خديجة على قوله و لم تعرض فيما عرض فيه النساء و وقر ذلك في نفسها. فلما أخبرها ميسرة بما رآه من الآيات و ما رأته هي قالت: إن كان ما قاله اليهودي حقا ما ذلك إلا هذا.
و اختلفوا في سبب الخطبة. فعند أبي سعيد النيسابوري في «الشّرف» أن خديجة رضي اللَّه تعالى عنها قالت للنبي (صلّى اللّه عليه و سلم): اذهب إلى عمك فقل له: عجّل إلينا بالغداة. فلما جاء قالت له: يا أبا طالب ادخل على عمرو عمي فكلّمه يزوّجني من ابن أخيك محمد بن عبد الله. فقال أبو طالب: يا خديجة لا تستهزئي. فقالت: هذا صنع اللَّه. فقام أبو طالب مع عشرة من قومه. فذكر الحديث.
و عند الزهري في سيرته أن رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) دخل على خديجة ليتحدث عندها فلما قام من عندها جاءت امرأة فقالت: خاطبا يا محمد؟ فقال: كلا. فقالت: و لم؟ فواللَّه ما في قريش امرأة و إن كانت خديجة إلا تراك كفئا لها. فرجع رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) خاطبا لخديجة مستحييا منها.
و عند يعقوب بن سفيان في تاريخه عن عمار قال: مررت أنا و رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) بأخت خديجة فنادتني فانصرفت إليها و وقف لي رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) فقالت: أما لصاحبك هذا من حاجة في تزويج خديجة؟ فقال عمار: فأخبرته. فقال: بلى لعمري. فذكرت لها، فقالت: اغدوا علينا إذا أصبحنا. فغدونا عليهم فوجدناهم قد ذبحوا بقرة و ألبسوا خديجة حلّة.
و ذكر الحديث.
و عند ابن إسحاق في المبتدأ أنها قالت له: يا محمد ألا تتزوج؟ قال: و من؟ قالت: أنا قال: و من لي بك، أنت أيّم قريش و أنا يتيم قريش. قالت: اخطبني.
و ذكر الحديث.
و عنده في السيرة: فلما استقر عندها ذلك، أي ما أخبرها به ميسرة و ما رأته و كانت امرأة حازمة شريفة لبيبة مع ما أراد اللَّه تعالى بها من الكرامة و الخير، و هي يومئذ أوسط قريش نسبا و أعظمهن شرفا و أكثرهن مالا، و كلّ قومها حريص على نكاحها لو يقدر عليه، و عرضت نفسها على النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) فقالت له فيما يزعمون: إني رغبت فيك لقرابتك وسطتك في قومك و أمانتك و حسن خلقك. فلما قالت له ذلك ذكره لأعمامه. و ذكر الحديث.
و روى ابن سعد عن نفيسة بنت منية قالت: كانت خديجة بنت خويلد امرأة حازمة