الباب الثاني في كفالة عبد المطلب رسول الله (صلّى اللّه عليه و سلم) و معرفته بشأنه.
لمّا توفيت آمنة أم رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) ضمّه إليه جده عبد المطلب و رقّ عليه رقة لم يرقّها على ولده.
قال ابن إسحاق: حدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله قال: كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة و كان لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له، و كان رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) يأتي حتى يجلس عليه فيذهب أعمامه يؤخّرونه فيقول جده: دعوا ابني.
فيمسح ظهره و يقول: إنّ لابني هذا لشأنا.
و روى أبو نعيم عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما مثله. و زاد: دعوا ابني يجلس فإنه يحّس من نفسه بشيء، و أرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغه عربي قبله و لا بعده.
و روى ابن سعد و ابن عساكر عن الزّهري و مجاهد و نافع و ابن جبير قالوا: كان النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) يجلس على فراش جده فيذهب أعمامه ليؤخّروه فيقول عبد المطلب: دعوا ابني ليؤنس ملكا [1].
و قال قوم من بني مدلج لعبد المطلب: احتفظ به فإنا لم نر قدما أشبه بالقدم التي في المقام منه.
و قال عبد المطلب لأم أيمن: يا بركة احتفظي به لا تغفلي عنه فإن أهل الكتاب يزعمون أنه نبيّ هذه الأمة.
و روى المحامليّ عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما قال: سمعت أبي يقول: كان لعبد المطلب مفرش في الحجر لا يجلس عليه غيره و كان حرب بن أمية فمن دونه يجلسون حوله دون المفرش، فجاء رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) يوما و هو غلام لم يبلغ الحلم فجلس على المفرش فجذبه رجل فبكى رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم)، فقال عبد المطلب- و ذلك بعد ما كفّ بصره: ما لابني يبكي؟ قالوا له: أراد أن يجلس على المفرش فمنعوه. دعوا ابني يجلس عليه فإنه يحس من نفسه بشرف و أرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغه عربي قبله و لا بعده.
و روى البلاذريّ عن الزّهري و محمد بن السائب أن عبد المطلب كان إذا أتي بالطعام أجلس رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) إلى جنبه و ربما أقعده على فخذه فيؤثره بأطيب طعامه، و كان رقيقا