الباب السادس في أخذ الميثاق على النبيين، آدم فمن دونه من الأنبياء أن يؤمنوا به (صلّى اللّه عليه و سلم) و ينصروه إذا بعث فيهم
قال اللّه تعالى:
و إِذْ نصب بمصدر محذوف أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ عهدهم لَما بفتح اللام للابتداء أو دخلت لتوكيد معنى القسم، لأن أخذ الميثاق قسم في المعنى. و بكسرها متعلّقة بأخذ، و ما موصولة على الوجهين أي الذي آتَيْتُكُمْ و في قراءة: آتيناكم مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ أي من الكتاب و الحكمة، و هو محمد (صلّى اللّه عليه و سلم) لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ جواب القسم، أي إن أدركتموه، و أممهم تبع لهم في ذلك.
قال اللّه تعالى لهم: أَ أَقْرَرْتُمْ بذلك وَ أَخَذْتُمْ قبلتم و وافقتم عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي عهدي قالُوا أَقْرَرْنا. قالَ فَاشْهَدُوا أي فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار.
و اشهدوا: خطاب للملائكة وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ عليكم و عليهم فَمَنْ تَوَلَّى أعرض بَعْدَ ذلِكَ الثبات فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ أي الخارجون عن الطاعة.
روى ابن أبي حاتم عن السّدّي [1] في الآية قال: لم يبعث اللّه نبيا قط من لدن نوح إلّا أخذ ميثاقه ليؤمننّ بمحمد (صلّى اللّه عليه و سلم) و ينصره إن أدركه و خرج و هم أحياء.
و روى ابن جرير [2]، عن علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه في الآية قال: لم يبعث اللّه نبيّا، آدم فمن بعده، إلا أخذ عليه العهد في محمد (صلّى اللّه عليه و سلم): لئن بعث و هو حيّ ليؤمننّ به و لينصرنّه، و أمره بأخذ العهد على قومه.
و روى ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما قال: ما بعث اللّه نبيّا قط إلا أخذ عليه العهد:
لئن بعث محمد (صلّى اللّه عليه و سلم) و هو حيّ ليؤمننّ به و لينصرنّه، و أمره بأخذ الميثاق على أمّته إن بعث محمد (صلّى اللّه عليه و سلم) و هم أحياء ليؤمننّ به و لينصرنّه.
[1] إسماعيل بن عبد الرحمن السدي: تابعي، حجازي الأصل، سكن الكوفة. قال فيه ابن تغري بردي: «صاحب التفسير و المغازي و السير، و كان إماما عارفا بالوقائع و أيام الناس». توفي سنة 128 ه. الأعلام 1/ 317.
[2] محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب، أبو جعفر الطبري الآملي البغدادي. الإمام العلم صاحب التصانيف العظيمة و التفسير المشهور، مولده سنة أربع و عشرين و مائتين. أخذ الفقه عن الزعفراني و الربيع المرادي. قال الخطيب: سمعت علي بن عبد اللّه اللغوي يقول: مكث ابن جرير أربعين سنة يكتب كل يوم أربعين ورقة. توفي في شوال سنة عشر و ثلاثمائة عن ست و ثمانين. الطبقات لابن قاضي شهبة 1/ 100- 101.