تلك أمة أحمد فقال اللهم: اجعلني من أمة أحمد، فبأحمد ذكر قبل أن يذكر بمحمد، لأن حمده لربه قبل حمد الناس له، فلما وجد و بعث كان محمدا بالفعل، و كذلك في الشفاعة يحمد ربه بالمحامد التي يفتحها عليه، فيكون أحمد الحامدين لربه، ثم يشفع فيحمد على شفاعته (صلّى اللّه عليه و سلم). فانظر كيف ترتّب هذا الاسم قبل الاسم الآخر في الذّكر و في الوجود في الدنيا و الآخرة تلح لك الحكمة الإلهية في تخصيصه (صلّى اللّه عليه و سلم) بهذين الاسمين. انتهى.
فصرّح القاضي و السهيلي (رحمهما اللّه تعالى) بأن أحمد سابق على محمد. و أقرّهما الحافظ في الفتح و غيره.
و ردّ ذلك ابن القيّم في كتابيه «جلاء الأفهام» و «زاد المعاد» و نسب قائل ذلك إلى الغلط، ثم نقل عن لفظ التوراة التي يقرأها مؤمنو أهل الكتاب أن فيها عند ذكر إسماعيل (صلّى اللّه عليه و سلم) بماذماذ. و ذكر بعد هذا: و إنه سيلد اثني عشر عظيما، منهم عظيم يكون اسمه ماذماذ. قال ابن القيم (رحمه اللّه تعالى): و هذا عند علماء المؤمنين من أهل الكتاب صريح في اسم النبي (صلّى اللّه عليه و سلم). قال: و رأيت بعض شروح التوراة كما حكيناه بعد هذا المتن قال في الشرح: هذان الحرفان في الموضعين يتضمنان اسم السيد الرسول محمد (صلّى اللّه عليه و سلم) و بسط الشارح الكلام و الدليل على ذلك.
ثم نقل ابن القيّم عن شارح آخر أن اسمه في التوراة أظهر مما ذكره الشارح السابق و ذكر ابن القيم كلامه. فليراجعه من أراده من «جلاء الأفهام».
و قد وردت آثار كثيرة تشهد لما قاله ابن القيم.
قال: و إنما سمّاه المسيح أحمد كما حكاه اللّه تعالى في القرآن لأن تسميته بأحمد وقعت متأخرة عن تسميته محمدا في التوراة و متقدّمة على تسميته محمدا في القرآن، فوقعت بين التسميتين محفوفة بهما.
و قد تقدّم أن هذين الاسمين صفتان في حقه (صلّى اللّه عليه و سلم)، و الوصفية فيهما لا تنافي العلمية و أن معناهما مقصود، فعرف عند كل أمة بأعرف الوصفين عندها. انتهى ملخصا.
قال الراغب (رحمه اللّه تعالى): و إنما خصه عيسى (عليه الصلاة و السلام) بذلك و لم يصفه بغيره تنبيها على أنه أحمد منه و ممن قبله، لما اشتمل عليه من الخصال الجميلة و الأخلاق الحميدة التي لم تكمل لغيره (صلّى اللّه عليه و سلم).
تنبيه:
لم يصحّ في فضل التسمية به حديث. و أما حديث أنس بن مالك مرفوعا: «يوقف