و ذلك عام ولادته (صلّى اللّه عليه و سلم) على الصحيح الذي عليه أكثر العلماء.
و كان إهلاكهم تشريفا له (صلّى اللّه عليه و سلم) و لبلده، و إلا فأصحاب الفيل كانوا نصارى أهل كتاب، و كان دينهم إذ ذاك أقرب حالا مما كان عليه أهل مكة، لأن أهل مكة كانوا عبّاد أوثان، فنصرهم اللّه تعالى نصرا لا صنع للبشر فيه، و لسان حال القدر يقول: لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيريتكم عليهم، و لكن صيانة للبيت العتيق الذي نشرّفه و نعظّمه و نوقره ببعثة النبي الأميّ خاتم الأنبياء محمد (صلّى اللّه عليه و سلم).
قال اللّه سبحانه و تعالى. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَ لَمْ تَرَ الخطاب للنبي (صلّى اللّه عليه و سلم). أي:
ألم تعلم. قدّره على وجود علمه بما يذكر. و قيل: الاستفهام هنا للتعجب إذ هو أمر منقول نقل المتواتر. فكأنه قيل: قد علمت أو تعجّب كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ عبّر بكيف دون ما. لأن المراد تذكير ما فيها من وجوه الدلالة على كمال علم اللّه تعالى و قدرته و عزة بيته و شرف رسوله (صلّى اللّه عليه و سلم) فإنها من الإرهاصات لنبوّته، إذ مجيء تلك الطيور على الوصف المنقول من خوارق العادات و المعجزات المتقدمة بين أيدي الأنبياء (صلّى اللّه عليه و سلم) بِأَصْحابِ الْفِيلِ محمود.
أَ لَمْ يَجْعَلْ أي يجعل كيدهم في هدم الكعبة فِي تَضْلِيلٍ خسار و هلاك بأن أحرق البيت الذي بنوه قاصدين أن يرجع حجّ العرب إليه، و بأن أهلكهم لمّا قصدوا هدم الكعبة بيت اللّه تعالى وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً اسم جمع يجوز تأنيثه و تذكيره أَبابِيلَ جماعات قيل لا واحد له و قيل واحده: أبول. أو إبّال. أو إبّيل كعجول. و مفتاح، و مسكين. و على تذكير الطير قرئ: تَرْمِيهِمْ بالمثناة التحتية. و قيل الضمير للرب سبحانه بِحِجارَةٍ فوق العدسة و دون الحمصة، كما في أكثر الأخبار، مكتوب على كل حجر اسم مرميّة، يحمل كلّ طائر ثلاثة أحجار: واحدا بمنقاره و حجرين برجليه مِنْ سِجِّيلٍ طين مطبوخ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ كورق زرع أكلته الدواب و راثته فيبس و تفرقت أجزاؤه شبه تفرق أجزائهم بتفرق أجزاء الرّوث.
الإشارة إلى القصة على وجه الاختصار كان ذو نواس [1] آخر ملوك اليمن مشركا، و هو الذي قتل أصحاب الأخدود، و كانوا
[1] ذو نواس الحميري: آخر ملوك حمير في اليمن. و هو صاحب الأخدود المذكور في القرآن الكريم. كان يدين باليهودية، و بلغه أن أهل نجران مقبلون على النصرانية، فسار إليهم و حفر أخاديد و ملأها جمرا و جمع أعيان المتنصرين منهم، فعرضهم على النار، فمن رجع إلى اليهودية نجا، و من أبى هوى. و اتفق الرومان و الحبشة على قتاله، فزحف النجاشيّ