[1]] فأما إبطال اللَّه تعالى الكهانة بمبعث رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلم)، حتى انقطعت بعد ما كانت ظاهرة موجودة، قال ابن سيده: كهن له يكهن، و كهن كهانة، و تكهن تكهينا و تكهّنا: قضى له بالغيب، و رجل كاهن من قوم كهنة و كهان، و حرفته الكهانة.
و اعلم أن الكهانة من خواص النفس الإنسانية، و ذلك أن للنفس الإنسانية استعداد للانسلاخ عن البشرية إلى الروحانية التي فوقها، و أعلا هذا الانسلاخ صنف الأنبياء، فإنّهم فطروا على ذلك، فيحصل لهم من غير اكتساب و لا استعانة بشيء من المدارك، و لا من التصورات، و لا من الأفعال البدنية، و لا بأمر من الأمور، إنما هو انسلاخ من البشرية إلى [الملائكية] [2] بالفطرة الإلهية في لحظة أقرب من لمح البصر، فاقتضت القسمة العقلية حركتها الفكرية بالإرادة، عند ما يتبعها النزوع لذلك، و هي ناقصة عن إدراك الأنبياء بالجبلة، و عند ما يعوقها العجز عن ذلك، فإنّها تتشبث بأمور جزئية محسوسة أو متخيلة تنظر فيها، كالأجسام الشفافة، و عظام الحيوان، و تتكلم بالسجع، أو ترى ما ينسلخ من طير أو حيوان، فلا تزال تستعين بذلك في الانسلاخ الّذي تقصده، فيكون كالمشيع له ..، و هذه القوة التي في هذا الصنف مبدأ لذلك الإرادي، هي الكهانة.
و لما كانت هذه النفوس مفطورة على النقص و القصور عن الكمال، كان إدراكها في الجزئيات أكثر من الكليات، و صارت متشبثة بها، غافلة عن الكليات، و لذلك تكون القوة المتخيلة فيهم في غاية القوة، لأنها آلة الجزئيات فتنفذ فيها نفوذا