responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 157
فَإِنْ قِيلَ: مَا السَّبَبُ فِي أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ تِلْكَ الصِّفَاتِ الثَّمَانِيَةَ عَلَى التَّفْصِيلِ، ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى عَقِيبَهَا سَائِرَ أَقْسَامِ التَّكَالِيفِ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ التَّاسِعَةِ؟
قُلْنَا: لِأَنَّ التَّوْبَةَ وَالْعِبَادَةَ وَالِاشْتِغَالَ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ، وَالسِّيَاحَةَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ، وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفَ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، أُمُورٌ لَا يَنْفَكُّ الْمُكَلَّفُ عَنْهَا فِي أَغْلَبِ أَوْقَاتِهِ، فَلِهَذَا ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ، وَأَمَّا الْبَقِيَّةُ فَقَدْ يَنْفَكُّ الْمُكَلَّفُ عَنْهَا فِي أَكْثَرِ أَوْقَاتِهِ مِثْلُ أَحْكَامِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَمِثْلُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْجِنَايَاتِ وَأَيْضًا فَتِلْكَ الْأُمُورُ الثَّمَانِيَةُ أَعْمَالُ الْقُلُوبِ وَإِنْ كَانَتْ أَعْمَالَ الْجَوَارِحِ، إِلَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا ظُهُورُ أَحْوَالِ الْقُلُوبِ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ رِعَايَةَ أَحْوَالِ الْقُلُوبِ أَهَمُّ مِنْ رِعَايَةِ أَحْوَالِ الظَّاهِرِ فَلِهَذَا السَّبَبِ ذَكَرَ هَذَا الْقِسْمَ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ، وذكر هذا القسم/ على سبيل الإجمال.

[سورة التوبة (9) : الآيات 113 الى 114]
مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113) وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا إلى قوله أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ مِنْ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ وُجُوبَ إِظْهَارِ الْبَرَاءَةِ عَنِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ تَجِبُ الْبَرَاءَةُ عَنْ أَمْوَاتِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا فِي غَايَةِ الْقُرْبِ مِنَ الْإِنْسَانِ كَالْأَبِ وَالْأُمِّ، كَمَا أَوْجَبَتْ الْبَرَاءَةَ عَنْ أَحْيَائِهِمْ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ بَيَانُ وُجُوبِ مُقَاطَعَتِهِمْ عَلَى أَقْصَى الْغَايَاتِ وَالْمَنْعِ مِنْ مُوَاصَلَتِهِمْ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ذَكَرُوا فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وُجُوهًا. الْأَوَّلُ:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى مَكَّةَ سَأَلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَيُّ أَبَوَيْهِ أَحْدَثُ بِهِ عَهْدًا» قِيلَ أُمُّكَ، فَذَهَبَ إِلَى قَبْرِهَا وَوَقَفَ دُونَهُ، ثُمَّ قَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهَا وَبَكَى فَسَأَلَهُ عُمَرُ وَقَالَ: نَهَيْتَنَا عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَالْبُكَاءِ، ثُمَّ زُرْتَ وَبَكَيْتَ، فَقَالَ: قَدْ أُذِنَ لِي فِيهِ، فَلَمَّا عَلِمْتُ مَا هِيَ فِيهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَإِنِّي لَا أُغْنِي عَنْهَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا بَكَيْتُ رَحْمَةً لَهَا.
الثَّانِي:
رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ قَالَ لَهُ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ» فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَقَالَ: أَنَا عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ» فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
قَوْلُهُ: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَقَدِ اسْتَبْعَدَهُ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا، وَوَفَاةُ أَبِي طَالِبٍ كَانْتْ بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَأَقُولُ هَذَا الِاسْتِبْعَادُ عِنْدِي مُسْتَبْعَدٌ، فَأَيُّ بَأْسٍ أَنْ يُقَالَ إِنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَقِيَ يَسْتَغْفِرُ لِأَبِي طَالِبٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى وَقْتِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّ/ التَّشْدِيدَ مَعَ الْكُفَّارِ إِنَّمَا ظَهَرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَلَعَلَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِأَبَوَيْهِمْ مِنَ الْكَافِرِينَ، وَكَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَيْضًا يَفْعَلُ ذَلِكَ، ثُمَّ عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ مَنَعَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ، فَهَذَا غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ فِي الْجُمْلَةِ.
الثَّالِثُ:
يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْهِ الْمُشْرِكَيْنِ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ أَتَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْكَ وَهُمَا مُشْرِكَانِ؟
فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدِ اسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبَوَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
الرَّابِعُ:
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 157
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست