تَعِيشَ وَ تَبْقَى حَتَّى تَلْقَى مِنْ وُلْدِي مَنِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ يَبْقَرُ الْعِلْمَ بَقْراً. وَ قَالَ لِي: إِنَّكَ تَبْقَى حَتَّى تَعْمَى ثُمَّ يُكْشَفُ لَكَ عَنْ بَصَرِكَ.
ثُمَّ قَالَ لِي: ائْذَنْ لِي عَلَى أَبِيكَ، فَدَخَلَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَى أَبِيهِ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَ قَالَ:
إِنَّ شَيْخاً بِالْبَابِ، وَ قَدْ فَعَلَ بِي كَيْتَ وَ كَيْتَ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ ذَلِكَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ:
أَ مِنْ بَيْنِ وِلْدَانِ أَهْلِكَ قَالَ لَكَ مَا قَالَ وَ فَعَلَ بِكَ مَا فَعَلَ قَالَ: نَعَمْ إِنَّا لِلَّهِ، إِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْكَ فِيهِ بِسُوءٍ، وَ لَقَدْ أَشَاطَ بِدَمِكَ.
ثُمَّ أَذِنَ لِجَابِرِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ فِي مِحْرَابِهِ، قَدْ أَنْضَتْهُ الْعِبَادَةُ، فَنَهَضَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ سُؤَالًا حَفِيّاً[1]، ثُمَّ أَجْلَسَهُ بِجَنْبِهِ، فَأَقْبَلَ جَابِرٌ عَلَيْهِ يَقُولُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ (تَعَالَى) إِنَّمَا خَلَقَ الْجَنَّةَ لَكُمْ وَ لِمَنْ أَحَبَّكُمْ، وَ خَلَقَ النَّارَ لِمَنْ أَبْغَضَكُمْ وَ عَادَاكُمْ، فَمَا هَذَا الْجَهْدُ الَّذِي كَلَّفْتَهُ نَفْسَكَ قَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ): يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ، أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ جَدِّي رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَ مَا تَأَخَّرَ فَلَمْ يَدَعِ الِاجْتِهَادَ لَهُ، وَ تَعَبَّدَ- بِأَبِي هُوَ وَ أُمِّي- حَتَّى انْتَفَخَ السَّاقُ وَ وَرِمَ الْقَدَمُ، وَ قِيلَ لَهُ: أَ تَفْعَلُ هَذَا وَ قَدْ غُفِرَ لَكَ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ! قَالَ: أَ فَلَا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً.
فَلَمَّا نَظَرَ جَابِرٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) وَ لَيْسَ يُغْنِي فِيهِ مِنْ قَوْلٍ يَسْتَمِيلُهُ مِنَ الْجَهْدِ وَ التَّعَبِ إِلَى الْقَصْدِ، قَالَ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، الْبُقْيَا عَلَى نَفْسِكَ، فَإِنَّكَ لَمِنْ أُسْرَةٍ بِهِمْ يُسْتَدْفَعُ الْبَلَاءُ، وَ تُسْتَكْشَفُ اللَّأْوَاءُ[2]، وَ بِهِمْ تُسْتَمْطَرُ السَّمَاءُ.
فَقَالَ: يَا جَابِرُ، لَا أَزَالُ عَلَى مِنْهَاجِ أَبَوَيَّ مُؤْتَسِياً بِهِمَا (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا) حَتَّى أَلْقَاهُمَا، فَأَقْبَلَ جَابِرٌ عَلَى مَنْ حَضَرَ فَقَالَ لَهُمْ: وَ اللَّهِ مَا أَرَى فِي أَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ مِثْلَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ إِلَّا يُوسُفَ بْنَ يَعْقُوبَ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ)، وَ اللَّهِ لَذُرِّيَّةُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) أَفْضَلُ مِنْ ذُرِّيَّةِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ، إِنَّ مِنْهُمْ لَمَنْ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً.
[1] أي كثيرا.
[2] اللأواء: المشقّة و الشدّة.