ومن ذلكَ ما رواه أهلُ السِّيرة ، واشتهرَ الخبرُ به عند[١]العامّةِ والخاصّةِ ، حتّى نَظَمَتْه [٢]الشُّعَراء ، وخَطَبَتْ [٣]به البُلَغاء ، ورواه الفُقَهاء والعُلَماءُ ، من حديثِ الرّاهب بأرضِ كربلاءَ والصّخرةِ ، وشُهرتُه تُغني عن تكلًّفِ إِيرادِ الاسنادِ له. وذَلكَ أنّ الجماعةَ رَوَتْ : أن أميرَالمؤمنينَ عليَّ بنَ أبي طالب 7 لمّا توجّهَ إِلى صِفِّيْنَ ، لَحِقَ أصحابَه عطشٌ شديدٌ ونَفِدَ ما كانَ معَهم منَ الماءِ ، فأخذوا يميناً وشِمالاً يَلتمسونَ الماءَ فلم يجدوا له أثراً ، فعَدَلَ بهم أميرُ المؤمنينَ عنِ الجادّةِ وسارَ قليلاً فَلاحَ لهم دَيْرٌ في وَسَطِ البَرِّيةِ فسارَ بهم نحوَه ، حتّى إِذا صارَ في فِنائه أمرَ مَنْ نادى ساكِنَه بالاطِّلاعِ إِليهم فنادَوْه فاطَّلعَ ، فقالَ له أميرُ المؤمنينَ 7 : « هل قُرْبَ قائمِكَ هذا ماء يَتَغوَّثُ به هؤلاءِ القومُ؟ » فقالَ : هَيْهاتَ ، بيني وبينَ الماءِ أكثرُ من فَرْسَخَيْن ، وما بالقُرْب منِّي شيء منَ الماءِ ، ولولا أنَني أُوتى بماءٍ يَكفيني كلًّ شهرٍ على الَتّقتير لَتَلِفْت عَطَشاً.
فقالَ أميرُ المؤمنينَ 7 : « أسَمِعْتُم ما قالَ الرّاهبُ؟ » قالوا : نعم ، أفَتَأْمُرُنا بالمَسِيْرِ إِلى حيثُ أومأ إِليه لَعَلَّنا نُدرِكُ الماءَ وبنا
ـــــــــــــــــ
[١] في « ش » : في.
[٢] في هامش « ش ». نظمه.
[٣] في هامش « ش » : خطب.