محمد عن عبد الرحمان بن حماد عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام:
انى سمعتك و أنت تقول:
كل شيعتنا في الجنة على ما كان فيهم؟ قال: صدقتك كلهم و الله في الجنة، قال: قلت:
جعلت فداك ان الذنوب كثيرة كبار؟ فقال: اما في القيامة فكلكم في الجنة بشفاعة
النبي المطاع أو وصى النبي، و لكني و الله أتخوف عليكم في البرزخ، قلت: و ما
البرزخ؟ فقال: القبر منذ حين موته الى يوم القيامة.
125- في نهج
البلاغة قال عليه السلام: سلكوا في بطون البرزخ سبيلا سلطت الأرض عليهم
فيه، فأكلت لحومهم و شربت من دمائهم فأصبحوا في فجوات قبورهم جمادا لا ينمون و
ضمارا لا يوجدون، لا يفزعهم ورود الأهوال و لا يحزنهم تنكر الأحوال، و لا يحفلون
بالرواجف، و لا يأذنون للقواصف، غيبا لا ينتظرون، و شهودا لا يحضرون و انما كانوا
جميعا فتشتتوا، و آلافا فافترقوا، و ما عن طول عهدهم و لا بعد محلهم عميت أخبارهم و
صمت ديارهم، و لكنهم سقوا كأسا بدلتهم بالنطق خرسا و بالسمع صمما، و بالحركات
سكونا فكأنهم في ارتجال الصفة صرعى سبات، جيران لا يتآنسون و أحباء لا يتزاورون،
بليت بينهم عرى التعارف، و انقطعت منهم أسباب الإخاء فكلهم وحيد و هم جميع، و
بجانب الهجر و هم أخلاء لا يتعارفون لليل صباحا و لا لنهار مساء أى الجديدين ظعنوا
فيه كان عليهم سرمدا شاهدوا من أخطار دارهم أفظع مما خافوا و رأوا من آياتها أعظم
مما قد روا، فكلا الغايتين مدت لهم الى مباءة، فأتت مبالغ الخوف و الرجاء فلو
كانوا ينطقون بها لعيوا بصفة ما شاهدوا و ما عاينوا[1]
[1] قوله عليه السلام:« في فجوات» هي جمع فجوة: و
هي الفرجة المتسعة بين الشيئين.« و جمادا لا ينمون» قال الشارح المغزلى اى خرجوا
عن صورة الحيوانية الى صورة الجماد الذي لا ينمى و لا يزيد، و يروى لا ينمون
بتشديد الميم من النميمة و هي الهمس و الحركة و منه قولهم اسكت اللّه نامته في
قوله من شدد و لم يهمز« و ضمارا» يقال لكل ما لا يرجى من الدين و الوعد، و كل ما
لا تكون منه على ثقة ضمار
ُ« لا يحفلون بالرواجف»
اى لا يكترثون بالزلازل
ُ« و لا يأذنون للقواصف»
اى لا يسمعون الأصوات الشديدة،
أذنت لكذا اى سمعته، و جمع لغائب غيب و غيب و كلاهما مروي هاهنا، و آلاف جمع ألف،
ككفار جمع كافر. و قوله عليه السلام:
« فكأنهم في ارتجال الصفة» اى إذا
وصفهم الواصف مرتجلا غير مترو في الصفة و لا متهيئ، للقول و السبات: النوم و
المباءة: المنزل.